أفريقيا والقضية الفلسطينية في ظل النفوذ الصهيوني في القارة الأفريقية
بقلم الدكتور محمد بن محمد
رئيس مجلس إدارة مركز الوعي للدراسات الأفريقية ورئيس حركة النهضة التشادية
فقد اجتمعت كلمة الأمة منذ زمن بعيد على نصرة قضية فلسطين والدفاع عن المسجد الأقصى، قضية فلسطين بقيت وما تزال هي القضية المحورية لدى العرب والمسلمين برغم محاولات تهميشها أو تصفيتها.
وهنا أريد أن أتحدثَ عن وعي شعوبِ القارة الأفريقية والتفافهم حول قضية فلسطين،
كانت عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي الذي تلاها على قطاع غزة مفترق طرق ونقطة تحول في الصراع، استطاع طوفان الأقصى تحريك الماء الراكد الذي أصاب القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة.
وكان لأفريقيا نصيبها من هذا التفاعل، حيث شهدت القارة تفاعلا واسعا مع أحداث طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك على المستويات الرسمية والشعبية والمؤسساتية
وبينما عكس هذا التفاعل في مجمله دعما قويا للقضية الفلسطينية وانتقادا للانتهاكات الإسرائيلية، فإنه كشف من جهة أخرى عن مدى التعقيد الذي تتسم به العلاقات الإسرائيلية بأفريقيا، خصوصا مع تطوير تل أبيب أدواتها لتوسيع نفوذها في القارة السمراء خلال السنوات الأخيرة.
يأتي في هذا السياق أن احتضنت مدينة دكار الملتقى الرابع لائتلاف غرب إفريقيا لنصرة القدس وفلسطين، واستمر هذا النشاط الإقليمي لمدة يومين13 و14 من يوليو 2024م في العاصمة السنغالية دكار بمشاركة وفودٍ من 17 دولة إفريقية، تحت عنوان:
(فلسطين وغرب إفريقيا: تجديد التزام الشعوب)
في مقابل هذه المجموعة، برزت كتلة أخرى أظهرت دعما صريحا للاحتلال الإسرائيلي كغانا والكاميرون وتوغو وزامبيا والكونغو الديمقراطية وغيرها.
وهو ما يؤشر إلى حجم النفوذ الصهيوني في القارة الأفريقية وتغلغلها. بجانب ما سبق هناك حلفاء تاريخيون لإسرائيل في أفريقيا كرئيس الكاميرون بول بيا الذي أعلن دعمه الصريح لتل أبيب، وكانت ياوندي من أوائل العواصم الأفريقية جنوب الصحراء التي استأنفت العلاقات مع إسرائيل عام 1986.
وكان لإسرائيل دور حيوي في تدعيم حكم بول بيا الممتد منذ عام 1982 حيث تتولى تأمينه الشخصي وقيادة وحدة النخبة الكاميرونية المعروفة بـ “كتيبة التدخل السريع”.
بإزاء المجموعتين السابقتين التزمت دول أفريقية أخرى موقفا محايدا في خطابها السياسي كنيجيريا وتنزانيا وأوغندا وغينيا بيساو، فعلى سبيل المثال أعلن الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني أسفه لاندلاع “للعنف المتجدد” داعيا إلى اعتماد حل الدولتين ومدينا استهداف المدنيين من جميع الأطراف.
على المستوى الشعبي:
ومع تواصل حرب الإبادة على غزة انتصرت الإرادة الشعبية لشعوب القارة الأفريقية. وانطلقت عشرات المسيرات الحاشدة في العديد من دول القارة، وخرجت احتجاجات ضخمة في مدينتي كيب تاون وجوهانسبورغ في جنوب أفريقيا، وتجمع آلاف المتظاهرين للمطالبة بوقف الهجمات الإسرائيلية على غزة واعتبار ما يحدث “إبادة جماعية”.
كما خرجت تظاهرات في عدد من الدول ذات العلاقات الوثيقة مع إسرائيل كنيجيريا وكينيا.
وتحت ضغط الشارع الكيني تبنى روتو لهجة أقل حدة، موضحا مطالبة بلاده بوقف إطلاق النار والالتزام بحل الدولتين.
وفي السنغال استجابت أكثر من 50 منظمة في البلاد لدعوة “التحالف الوطني لدعم فلسطين”، الذي أعلن مباركته “لعملية طوفان الأقصى”، وطالب المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة.
كما وجهت رابطة “الأئمة والدعاة في السنغال” رسالة احتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عبر منسقة المنظمة الأممية بداكار، أعربت فيها عن رفضها “الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني”.
نظرة تاريخية لطموحات إسرائيل في القارة الأفريقية
شهدت أعوام 2016 و 2017 تطور نوعي في نجاح الدبلوماسية الإسرائيلية في تحقيق خطوات مهمة في توجهها نحو أفريقيا ، تمثل في جهد دبلوماسي ونشاط مكثف، عبر لقاءات وزيارات وحضور لقمم أفريقية جماعية ومختصرة مع رؤساء وزعماء أفارقة ، فقد قام نتنياهو بزيارة شملت شرق أفريقيا لدول كينيا وإثيوبيا وأوغندا، كأول رئيس وزراء إسرائيلي يزور القارة الأفريقية عام 2016 منذ 5 عقود، وسبقه بأعوام وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان الذي زار البلدان الـ3 عام 2009 ، ثم لم يتوقف نتنياهو عند هذا الحد فقد كان من جديد كأول زعيم غير أفريقي يشارك في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عام 2017، كما واكب ذلك محاولات لافتتاح سفارات جديدة في إفريقيا ، وقد نجحت تل أبيب بالفعل في افتتاح سفارات في بلدان دول رواندا وغانا، كما أثمر جهدها الدبلوماسي في المزيد من التطبيع في العلاقات مع بعض الدول الأفريقية كغينيا (2016) وتشاد (2018) والمغرب (2020) والسودان (2020).
أسهمت الكثير من العوامل والحوادث في إنجاح جهود الكيان الإسرائيلي في حصوله على عضوية المراقب في الاتحاد الأفريقي، وهو ما عدته إسرائيل نجاحاً مهماً في مهمة تنفيذها لأهدافها الاستراتيجية في القارة الأفريقية، وتتويجاً
لأجندتها التي اشتغلت عليها طيلة الجولات التي قام بها المسؤولون الإسرائيليون في دول القارة وعلى رأسهم نتنياهو الذي أكد الأهمية العالية للروابط الدبلوماسية فيما يتعلق بالتحالفات الدولية، وبعد أن تقدمت سفارتها لدى إثيوبيا
بأوراق طلب اعتمادها كمراقب لدى مفوضية الاتحاد الأفريقي ، تحصلت على العضوية بعد عقدين من الزمان من الرفض المتوالي والمتكرر من المنظمة الأفريقية ، عبرت بعدها إسرائيل مباشرة عن احتفاءها بهذا الحدث حيث علق وزير الخارجية الإسرائيلية ” يائير لابيد” على هذا الحدث قائلا إن “هذا يوم احتفال بالعلاقات الإسرائيلية الأفريقية”، ووصف تلك الخطوة بـ “الإنجاز”، وهو ما أثنى عليه أيضا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ، وكانت إسرائيل تعي أن صفة المراقب التي تحصلت عليها يمكن أن تسهم مع جهودها الأخرى في أن تكون مدخلا للتأثير على الكتلة التصويتية لدول القارة، والتي تمثل 54 مقعدا من أصل 193 على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة، و3 مقاعد من أصل 15 على مستوى مجلس الأمن، و14 مقعدا من أصل 54 على مستوى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، و13 مقعدا من أصل 47 على مستوى مجلس حقوق الإنسان.
وتدرك جيداً أنها بالإضافة إلى التأثير على النتائج التصويتية ، فإن هذه الصفة فرصة للسياسة الإسرائيلية لترويج سرديتها والعمل لتحييد مناهضيها داخل المنظمة الأفريقية فيما يتعلق بمواقفها من القضية الفلسطينية، وهو ما أصبح أكثر إلحاحا بعد أن نالت فلسطين هذه العضوية عام 2013 ، ومن جانب آخر تتيح صفة المراقب لتل أبيب توثيق علاقاتها مع دول المنظمة، والانخراط في المبادرات والمشاريع التي يطلقها الاتحاد في مجالات كالزراعة والتنمية الريفية وتطوير البنى التحتية والسياحة وغيرها من المجالات التي تتمتع إسرائيل بخبرة كبيرة فيها.
لا شك أن هذا السرد التاريخي يلقي علينا نحن شعوب القارة الأفريقية بالعبء في تحريك الشارع ضد هذا التوغل والتغلغل في منظومات الحكم الأفريقية ، كما أنني أدعو شعوب القارة الأفريقية إلى الضغط على حكوماتها لوقف هذا العدوان الهمجي على أهل فلسطين ولبنان.