[gtranslate]
#مقالات

الإنسان محور التغيير في القارة السمراء   

بقلم د. عبد اللطيف آدم موسى.

أفريقيا منشأ الإنسان وأرض الحضارات، وهي القارة الحُبلى بالكثير والخير الوفير من الموارد الطبيعة المتعددة والمتنوعة التي تسعد وتسد احتياجات العالم بأثره.

بعد حلول منتصف القرن العشرين نجد بأن العالم قد تغير وتحول وحقق الانتقال الجذري والكبير عبر كل مناحي الحياة نحو عملية التطور الشامل، وعبر كل المجالات الفكرية والسياسية والاقتصادية والصناعية والتنمية المستدامة والبرامج التقنية المتطورة والتكنولوجيا المتقدمة والمتجددة ومجالات الثقافة والإعلام والعلاقات والبنى الدولية.

بينما نجد الغالبية العظمى في بلدان القارة السمراء تعاني وتعيش أزمة تحقيق ذلك التطور والانتقال والتحول بشكله الكامل نحو إصلاح الكثير من قضايا التنمية الشاملة للإنسان الأفريقي، حيث لاتزال الكثير من هذه الدول تعيش أزمة الحالات المعيشية والاقتصادية وخطوط الفقر المتفاوتة، التي تكتنف جزءًا كبيرا منها، حيث نجد بأن هنالك دولا  بلغ نسبة معدل ذلك الفقر فيها حولي 55٪ وكذلك عدم التعليم والاهتمام به اوصلها نحو نسبة 45٪ حيث يعيش الكثير منها الأزمات المتجددة والصراعات والحروب الداخلية وحالة التقلبات الاجتماعية والسياسية وأزمة الانتقال والتداول السلمي للسلطة نسبة لغياب تطبيق نهج الديمقراطية الفعلية والحقيقية، والغائبة في الكثير من الدول عدا اليسير والقليل منها. 

تعيش معظم دول القارة أزمة ذلك التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في إطاره الثقافي والفكري نحو كيفية الإبداع والإنتاج والتقدم، والتطور، ووضعية التعامل والتفاعل مع مواردها الطبيعية المتعددة والمتنوعة بغرض تسخيرها من أجل الاستفادة منها. 

تعيش القارة أزمة الوجود مع الصراع والتحدي، لأن الوجود هو مشروع إنجاز إرادي يحققه المجتمع بالجهد والعمل والفكر نحو الانتقال والتحول والتحرر، الذي يصل إليه من خلال اجتهاداته الذاتية وعزيمته المستمرة ومنها ينتقل إلى معابر التغير والتطور.

إذا أرادت  القارة أن تسلك طريق ذلك التطور والتقدم والانتقال الذي طال الكثير من بلدان العالم فلابد لها ان تتخلص من كل العلل و القيود والمعوقات والسلبيات، التي لازمتها زمنا طويلا، ولابد أيضا من أن تتفهم هم الأدوات والعوامل والعناصر الأساسية المؤدية والمساعدة لذلك التغيير والإصلاح والتطور. 

أول هذه العناصر هي تطور الإنسان الإفريقي نفسه الذي نعتبره محور ومرتكز هام لهذه القضية، فهو الكادر البشري الأكثر اهمية في عملية التغير والإصلاح والانتقال، باعتباره الثروة الحقيقية التي تملكها أي أمة حتى وان كانت تملك الموارد الاقتصادية الهائلة، بل ان كل امة لا تستطيع ان تحقق تقدما حقيقيا ينعكس في مجالات حياتها الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والسياسية والثقافية وتحدد طبيعة علاقتها مع الأمم الأخرى إلا إذا كان الإنسان هو المحور الهام والصانع لذلك التقدم. 

من خلال ذلك نجد هنالك الأمثلة العديدة للدول في العالم  لا تملك من الموارد الاقتصادية إلا النذر اليسير ولكنها استطاعت عبر استثمار ثروتها البشرية وحسن توظيفها بصورة إيجابية وجيدة ومنظمة بأن تبني لنفسها مجدا، وأن تحقق لذاتها المكاسب والتقدم  بصورة دائمة  بالرغم مما تعانيه من نقص في مواردها الاقتصادية، نحو كل ذلك أخذت في أن تحتل مكانة رفيعة بين الأمم والشعوب، لنجد مثال لذلك كل من دولتين (ألمانيا واليابان) وهما خير شاهد ودليل على ما يجب أن يحققه  الإنسان،، فما بالك بالإنسان الأفريقي صاحب الأرض الغنية والحبلى بالموارد المتنوعة والمتعددة والوفيرة. 

فالإنسان هو وسيلة التنمية والتطور وغايتهما ، أن التنمية الشاملة التي تعتمد على الموارد البشرية والاقتصادية قد غدت منذ زمن بعيد وصارت هي الضرورة الحتمية لصنع التقدم الاقتصادي والصناعي والاجتماعي والثقافي، والتي أدت إلى إشباع الحاجات المادية والمعنوية للفرد والمجتمع والوصول به إلى عالم التقدم والازدهار والرفاهية الشاملة. 

لذا سوف تبقى الدعوة الى عمليات إصلاح حال الإنسان الإفريقي، قائمة لأنها تمثل ريادة التقدم، ومليئة بالكثير من ميادين العمل والعناصر المختلفة وقادرة على أن تحقق أهدافها إذا كان الإنسان قادر على تحملها وحمل تبعتها بالمشاركة والمساهمة الفعالة نحوها. 

وإن كان زيادة الإنتاج هو الهدف الرئيسي للتنمية فإن هذه الزيادة مرتبطة في أصلها بمدى إنتاجية الفرد وهي التي تتأثر إلى حد كبير بمستواه العلمي والثقافي والصحي ووعيه الاجتماعي والسياسي، وبناء مقدراته الذاتية التي تحفظ استقلاله الكامل واعتماده على الذات وابقائه بعيدا عن وهاد الاتكالية والتبعية ليحقق من خلال ذلك الإنتاج والانتقال نحو الاعتماد على النفس وسيادته وإرادته الوطنية الحرة والمستقلة. 

 الإنسان الأفريقي يتوجب عليه أن يتخلص من جميع العلل التي لازمته في حياته طويلا من بؤس واضطرابات أمنية وحروب وما عايشه من خلال مراحل تاريخه من أزمات وصراعات عرقية ودينية وقبلية وقومية وسياسية وجهوية ومجاعة وجفاف وتشرد وأمراض مستوطنة وأوبئة، وتدخلات خارجية مستمر ومتجدده من قبل تأثيرات المستعمر القديم والمستصحبة بكل آثارها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية. 

 

 إنسان أفريقيا، بحاجة ماسة إلى وضع مناهج وبرامج استراتيجية مستقبلية وإنتاج رؤى وأفكار تسعى به نحو كيفية التخلص من جميع تلك العلل التي لازمته كثيرا في حياته العامة. 

لذا فلابد لنا من دراسة شاملة للواقع المعاش لإنسان أفريقيا حتى نتعاطى مع ذلك الواقع، ولابد  لنا أيضا من دراسة المجتمع بأثره، باعتباره تجمعا ( ديناميكيا ) للقوة البشرية التي يجب الاستفادة منها، وكذلك لابد من إنتاج الأفكار المتعددة والمتنوعة والمتجددة، والتي يجب أن تنصب نحو اتجاهات هذا المجتمع الأفريقي برمته، والذي يعتبر في حد ذاته عبارة عن صور متكاملة تتجلى بطريقة منسقة و متصلة ومنظمة اذا وجد الاهتمام البالغ، نحو الكشف عنه وعن بعده الوجودي التاريخي، المليء بكل إرثه وعاداته الخاصة به ومكوناته الثقافية باعتبارها تمثل محور  وعنصر الامتداد الحقيقي والفعلي  لتلك الحضارة الأفريقية الأصيلة والقابلة للتطور والداعمة لذاته.

فلابد من دراسات الواقع بطريقة معاصرة، من أجل الكشف عن الحقائق، ومن ثم الوصول والانتقال، نحو إحداث نظريات جديدة وأفكار تدعو إلى منهج التحرر، وذلك وفاء ورد الاعتبار للإنسان الأفريقي الحر الذي مزقته تلك الصراعات والحروب المفتعلة والفتن والمتغيرات وكل ما هو مرتبط بتبعات التأخير والاستعمار القديم. 

كما يستوجب أن تستهدف الدراسات المجتمعية الأفريقية محور الاهتمام بعقل و ذاتية إنسان القارة ومستقبله ، عبر جميع النواحي و المبادئ الأساسية الخاصة به، ويجب أيضا أن نؤكد من خلال تلك الدراسات بأن العقل الافريقي هو في حد ذاته يمكنه التطور إذا ما استخدم منهج الفكر المتطور و المستمد من تحليل حالاته المختلفة ومواريثه الثقافية وقدراته الفعلية، بغرض ان يتجاوز من خلالها كل العلل والأمراض والقيود والحدود التي فرضتها الظروف والعوامل التاريخية وأن ينحاز كليا نحو دواعي المعرفة والعلم الحقيقية والكلية والخاصة بذاته وصفاته. 

 إذن هذا مكمن الرؤى الشاملة ومحاور بحوثنا ودراساتنا المتعلقة بالإنسان والمجتمع الأفريقي من أجل رسم مسار التخلص من كافة القيود، وكل فعل ما لازمه زمنا طويلا، ومن ثم الانتقال به نحو رغبته التامة  لتأسيس مجتمع متجدد وبفكر وفهم متطور، لأن واقع الدراسة الاجتماعية الافريقية الفكرية مرتبطة بذلك الواقع المعايش والمصحوب بأحداث التاريخ ومرجعياته، من أجل صياغة أفكار نهضوية توفر الكثير من الرؤى والحلول للمجتمع وعن نوعية حوجة الإنسان المنوط بها كل إمكانياته وقدراته من أجل الإنجاز، وأن َتكون الدراسات أيضا ذات ارتباط بكل بلد أفريقي ويجب أن تكون ذا رؤية خاصة وكذلك وثيقة الصلة بكل ما يتعلق بخصوصية قضاياها في حياته العامة وثقافته الخاصة به، حتى يتحقق التطور والذات في داخلها نحو التمهيد و المنافسة مع الأخريات ويسد الذرائع أمام الطامعين من الخارج، الذين يطلعون بأبصارهم إلى تحقيق أهدافهم ومصالحهم العليا ومستقبلهم السياسي والاقتصادي الخاص بهم.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *