[gtranslate]
#الأمن في الساحل #الساحل الإفريقي

التهديدات الأمنية في منطقة الساحل 

إن العلاقة بين مفهومي “الأمن” و”التهديد” علاقة تأثير متبادل، ولتفسير مفهوم “الأمن” لابد من تحديد مصادر التهديد أولاً، فالباعث على الشعور بالخطر أو التهديد يستدعي الحاجة إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى تحقيق الأمن، تلك الحاجة التي من الطبيعي أن تكون متوافقة مع المخاطر أو التهديدات الفعلية أو المحتملة

إن مفهوم الأمن من المفاهيم التي ليس لها تعريف محدد متفق عليه، باعتباره مفهوم نسبي ومتغير ومركب وذو أبعاد عدة ومستويات متنوعة، يتعرض لتحديات وتهديدات مباشرة وغير مباشرة من مصادر مختلفة من حيث درجاتها وأنواعها وأبعادها، فقد عرف بأنه “تأمين سلامة الدولة ضد أخطار خارجية وداخلية قد تؤدي بها إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبية نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلي

يعرف “ريتشارد أولمن،” التهديد بأنه “ذلك العمل أو تتابع الأحداث الذي يهدد بصورة عنيفة نمط العيش الذي يتبناه سكان الدول أو الذي من شأنه أن يحد من البدائل المطروحة أمام الدول أو الهيئات غير الحكومية (أفراداً، جماعات، ومؤسسات) داخل الدولة. والتهديد في مفهومه الاستراتيجي هو “بلوغ تعارض المصالح والغايات القومية مرحلة يتعذر معها إيجاد حل سلمي يوفر للدول الحد الأدنى من أمنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري مقابل قصور قدراتها لموازنة الضغوط الخارجية، الأمر الذي يضطر الأطراف المتصارعة إلى اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية، معرضة الأطراف الأخرى للتهديد

إن تحليل مفهوم التهديدات ينطلق من فهم حقيقة التحولات الدولية والإقليمية وانعكاساتها على صعيد الأمن، فتلك التحولات أدت إلى تحولات مماثلة لمصادر التهديد، من بروز إشكالية عدم اليقين وهي وانعدام القدرة على التحديد الدقيق لمصادر التهديد، مما يؤدي إلى تعدد الرؤى حول أساليب ووسائل واستراتيجيات تحقيق الأمن، وبالتالي فإن دراسة أبعاد ومصادر وأنواع التهديدات ضرورة لابد منها لتحديد العمل الاستراتيجي الجماعي لدرء تلك التهديدات وإدراك أبعادها ومصادرها لصياغة رؤية مشتركة لمواجهتها أو التقليل من مخاطرها.

ويعتبر اتساع نطاق التهديد الأمني وتعدد مصادر التهديد من أهم ملامح الظاهرة الأمنية في الواقع المعاصر، حيث أصبحت هنالك مصادر تهديد داخلية، ومصادر تهديد من دول الجوار، هذا بالإضافة إلى مصادر تهديد سياسية تنتج عن الانقسامات القبلية والطائفية والعرقية وما ينتج عنها من قلاقل داخلية. كما أن هناك مصادر تهديد اجتماعية ناتجة عن البطالة والمشكلات الناتجة عن أساليب توزيع الدخل والإخلال بمعايير العدالة الاجتماعية وغيرها.

لقد تغيرت هيكلة وخارطة المخاطر والتهديدات الأمنية من نمط تقليدي، إلى نمط جديد أصطلح عليه بـ”التهديدات اللاتماثلية” وبصورة أحدث “التهديد الهجين” كتعبير عن زيادة التعقيد والحركية والتطور المستمر الذي يمس الظاهرة الأمنية، فالتهديدات التماثلية تطلق على النمط التقليدي للتهديدات التي تتميز بالطابع العسكري الذي بين الدول، إلا أن التهديدات اللاتماثلية وهي التهديدات المرتبطة بمشاكل الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي والنزاعات الداخلية وما يصحبها من انتهاكات لحقوق الإنسان والإبادة الجماعية، والتي تجد في الدول غير المسؤولة أو الفاشلة مكاناً مثالياً لها، مشكلة بذلك ما اصطلح عليه بالتهديدات اللاتماثلية أو اللاتناظرية أو غير المتكافئة، حيث تكون بين فاعلين غير متكافئين من حيث القوة، وعادة ما يكون هذا النمط من التهديدات وسيلة للتعويض عن نقص في الموارد المتعلقة بالطرف الضعيف الذي يستخدم التهديد من خلال الاعتماد على أساليب ووسائل متعددة يستهدف من خلالها المساس بنقاط الضعف للطرف الأقوى، وتم استعمال مصطلح التهديدات اللاتماثلية في الولايات المتحدة لتوصيف المخاطر الجديدة التي تواجه الأمن القومي الأمريكي على النحو الآتي:

التهديدات الجديدة التي تتميز بعنصر المفاجأة والحركية وغير المألوفة.
الأساليب والتكتيكات العملية الجديدة التي تستخدمها المجموعات لتهديد الأمن القومي الأمريكي.
غموض وصعوبة تحديد ماهية العدو المهدد للأمن القومي الأمريكي.

إضافة إلى التهديدات اللاتماثلية ظهر مفهوم آخر هو “التهديدات الهجينة “والتي يعرفها “فرانك هوفمان” بأنها “تتضمن مجموعة كاملة من الوسائط المختلفة من الحرب بما في ذلك القدرات النظامية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والأعمال الإرهابية، بما في ذلك العنف العشوائي والإكراه والإجرام، وتتواجد التهديدات الهجينة بكثرة في الأقاليم التي لم تعد خاضعة لسيطرة الدولة، وتتميز بسرعة الانتشار وتتعلق بفواعل غير دولية تجمع بين استخدام الوسائل التقليدية والوسائل الحديثة في عملية التهديد مثل الحرب والجريمة المنظمة والإرهاب والأعمال التخريبية والتحكم في التكنولوجيا واختراق المواقع الإلكترونية، وتتميز أيضاً بتعدد أشكالها وطبيعتها المستعصية الفهم، نظراً لغموضها وكثرة تفاعلاتها وتفرعاتها، كما تمثل التهديدات الهجينة خصما يصعب معرفته وتحديده وتوقع أعماله ونتائجها.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *