الصراع في القرن الأفريقي إلى أين؟
إن الانتشار العسكري المصري القادم في الصومال من شأنه أن يزيد من حدة التوترات مع إثيوبيا، التي تزيد احتكاكاتها مع مقديشو من خطر اندلاع اشتباكات بين القوات المصرية والإثيوبية في الصومال، مما يؤدي إلى فراغات أمنية من المرجح أن يستغلها المتمردون. في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، وقعت الصومال ومصر وإريتريا اتفاقاً لتعزيز تعاونها الأمني. وكان هذا أحدث مؤشر على العلاقات المتنامية بين مصر والصومال والاحتكاكات مع إثيوبيا، في أعقاب الإعلان في أغسطس/آب عن أن مصر ستساهم بنحو 5000 جندي في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم الاستقرار في الصومال، والتي من المقرر أن تبدأ في الأول من يناير/كانون الثاني. وستحل هذه البعثة، التي تضم ما لا يقل عن 10 آلاف فرد، محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، وستركز في المقام الأول على عمليات مكافحة الإرهاب ضد جماعة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة. وجاء هذا التطور في خضم نزاع دبلوماسي متزايد بين إثيوبيا والصومال، والذي أشعل شرارته قرار إثيوبيا المثير للجدل في يناير/كانون الثاني بتوقيع اتفاقية مع الصومال.
ويأتي التعاون الأمني ” الوليد” بين الصومال ومصر – بحسب تقييم المركز الأميركي- في وقت تواجه فيه مقديشو تحديات في الحكم مع ولاياتها الفدرالية، خاصة جوبالاند وجنوب غرب البلاد، بالإضافة إلى منطقتي بونتلاند وأرض الصومال التي أعلنت استقلالها عن جمهورية الصومال من جانب واحد.
وقد أعرب القادة في جوبالاند وجنوب غرب عن مخاوفهم من تهديد الحكومة الفدرالية بطرد القوات الإثيوبية التي يرون أنها ضرورية لمواجهة حركة الشباب في ولايتيهما.
وفي الوقت ذاته، تواجه ولاية بونتلاند (شمال شرقي الصومال) تحديات أمنية داخلية، لا سيما مع تنامي خطر تنظيم الدولة– فرع الصومال، الذي كسب موطئ قدم له في منطقة باري التابعة للولاية.
كما أدت العلاقة المتوترة بين بونتلاند والحكومة الفدرالية الصومالية، بسبب الخلافات حول تقاسم الثروة، والتغييرات الدستورية التي حدثت في شهر مارس الماضي، إلى زيادة تعقيد التنسيق الاستخباراتي وجهود مكافحة “الإرهاب” الرامية إلى التصدي لتنظيم الدولة.
ومع أنه ما من ولاية صومالية تستطيع أن تُملي على مقديشو رسميا أي قرار يتعلق بمغادرة القوات الإثيوبية، فإن المركز الأميركي يزعم أن الحكومة الفدرالية قد تعاني لتأكيد سلطتها على الولايات، لا سيما على جوبالاند وإقليم جنوب غرب الصومال.
وعلاوة على ذلك، يرى مركز سترا تفور أن علاقة الصومال المزدهرة مع مصر قد تُعقِّد أكثر هذه الديناميكيات، ذلك أن أي مساعدة عسكرية وجنود ترسلهم القاهرة إلى مقديشو قد يُنظر إليها على أنها محاولة لتعزيز السلطة الفدرالية على حساب الحكم الذاتي للولايات الصومالية الأعضاء، خاصة في ظل الرحيل الوشيك للقوات الإثيوبية رغما عنها.
على أن سترا تفور يعتقد أن إضفاء الطابع الرسمي على صفقة الميناء بين أرض الصومال وإثيوبيا من شأنه أن يصعّد التوترات ويزيد من خطر اشتباك القوات الإثيوبية مع الجيش الصومالي، وفي سيناريو أكثر تصعيدا، مع الجنود المصريين، مما قد يؤدي إلى نشوب حرب بالوكالة يدعم فيها الصومال المتمردين الإثيوبيين.
كما أن تصديق أرض الصومال وإثيوبيا رسميا على اتفاق الميناء، من شأنه زيادة النزاع الدبلوماسي بين أديس أبابا ومقديشو حدة.
ثم إذا ما اشتدت هذه الأزمة وتكررت المناوشات، فقد تتوغل إثيوبيا في الصومال، وقد تفضي هذه المناوشات في حال حدوثها -بعد نشر مصر قواتها في الصومال- إلى اشتباكات بين القوات المصرية والإثيوبية بحجة حماية مصر لسيادة الصومال، وفقا لتقييم ستراتفور.
وفي حين أنه من غير المرجح أن ينهار قريبا اتفاق السلام الذي أبرمته الحكومة الفدرالية الإثيوبية عام 2018 مع الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين -التي تطالب بانفصال إقليم أوغادين عن إثيوبيا، مما قد يدفعها للعمل بالوكالة عن الصومال، وبالتالي زيادة حدة الصراع في إثيوبيا- إلا أن التوترات بين الجانبين قد تطفو على السطح مجددا.
وفي ظل هذا التصور، قد تستخدم إثيوبيا القوة العسكرية المتزايدة ضد الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين مما سيؤدي إلى تصعيد العنف وعدم الاستقرار.