المرأة في وسط وغرب أفريقيا.. دور اجتماعي بين الواقع والمأمول
لعبت المرأة الأفريقية دورا هاما في بناء المجتمع الأفريقي، حيث تمتعت بمكانة متميزة أكثر من غيرها لفترة طويلة. فإلى المرأة يرجع الفضل في قيام المجتمع الزراعي الذي على أساسه تتألف باقي المجتمعات الأخرى، بل وتبنى الحضارات، فكثير من العلماء يؤكدون أن هناك علاقة متداخلة بين المرأة والأرض وإبرازها على أنها ذات طابع ديني أو غيبي، فكلما حملت المرأة الأفريقية وانجبت طفلا، زادت خصوبة الأرض، وزاد محصولها.
واعتبرت المرأة في المجتمعات الأفريقية البدائية الأساس في تكوين الأسرة والحفاظ عليها ، بل كانت هي العائلة فحسب، دون الأب؛ للاعتقاد بأن الأُم وحـــدها هـــي التـــي تنجـــب الأولاد، وتحمــلٍ نتيجة روح أو طيف يزورها وهي نائمة، فيلقــي فــي رأســها بــذرة الطفــل الــــذي ينحــــدر إلــــى رحمهــــا ويــــستقر وينمــــو حتــــى يولــــد، ثم تقوم بحمايته حتى يتمكن من تدبير أمور حياته بمفرده، ولهــــذا الــــسبب اعتبروا المرأة أكثر قدرة وأعلى قيمة من الرجل، حتى وصل الأمر إلى أن عرف بعض العلماء “البشرية على أنها أنثوية الأصل”.
كما يختلف دور المرأة في القارة أفريقيا من دولة لأخرى أو من منطقة لأخرى حسب العادات والتقاليد أو التاريخ أو الثقافة أو الدين، الخاص بتلك الدولة، أو المنطقة. فدور المرأة في دول شمال أفريقيا تختلف عن شرق وغرب أفريقيا وكذلك عن وسط وجنوب أفريقيا، وإن كانت المرأة في مضمونها وكيانها واحدة لا تتغير.
المرأة في وسط أفريقيا
حظيت المرأة في جمهورية إفريقيا الوسطى، بدور مميز بالقياس الى الدول الأفريقية الأخرى، فاعتبرت أفريقيا الوسطى هي أول دولة إفريقية يكون رئيس مجلس وزرائها سيدة، هي السيدة إليزابيث دوميتين، في الفترة ما بين 1975 و1976, وتعد بذلك أول سيدة تتولى هذا المنصب في جمهورية أفريقيا الوسطى وفي القارة الأفريقية كلها, كما كانت السيدة جين ماري روث رولاند أول مرشحة لرئاسة الجمهورية في إفريقيا ، أما السيدة كاثرين سامبا بانزا الناشطة في مجال حقوق المرأة وخصوصًا مكافحة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث والعنف بجميع أشكاله فهي أول رئيسة لدولة أفريقيا الوسطى، حيث تولت رئاسة المرحلة الانتقالية في الدولة منذ 23 يناير 2014 وهي بذلك تعد أول امرأة تتولى منصب الرئاسة في دولتها وفي القارة الأفريقية، وهذا ما يعطي انطباعا على أن دور المرأة في أفريقيا الوسطى أتى ثماره.
أما جمهورية الكونغو الديمقراطية فلم تصل النساء هناك إلى موقف المساواة الكاملة مع الرجل، رغم نضالهن المستمر حتى يومنا هذا. وتأكيد النظام الحاكم على أهمية مساهمة المرأة في المجتمع، وبالرغم من أن المرأة تتمتع ببعض الحقوق القانونية، مثل الحق في التملك والحق في المشاركة في القطاعات الاقتصادية والسياسية، فأن العرف والقيود الاجتماعية لا تزال تحد من الفرص المتاحة لهن.
ونتيجة للضغوط المستمرة على المرأة في منطقة وسط أفريقيا وخاصة في الكاميرون نجد أن بعض النساء من جماعة الأندلو في الكاميرون تقوم بإقرار عقوبات ضد الرجال الذين يرتكبون أعمال عنف ضد النساء، فحينما تتعرض المرأة للضرر تطلق صيحات معينة، وتردد النساء ذات الصيحات وراءها، ويتركن كل شيء ويذهبن إليه أو يكوًن جسرا، ويذهبن إلى مكان وجوده ويبدأن في الغناء والرقص، مرددين الصيحات المنددة بذلك الرجل، وفي يوم العقاب تلبس النساء ملابس الرجال ويمسحن وجوههن ويغطين أجسادهن بورق الشجر.. ويسرن في تظاهرة لمنزل الجاني ويقذفنه بأنواع من الثمار الضارة حتى يعود لها الحق.
كما أن للنساء التشاديات دور أساسي في دعم الاقتصاد، حيث اعتبروا المحللين أن المرأة في تشاد هي الدعامة الأساسية لاقتصاد الدولة، لذلك يتم الاعتماد عليها بشكل كبير عن الرجل خاصة في المناطق الريفية، حيث يفوق عددهن عدد الرجال.
المرأة في غرب أفريقيا
يشكل الدور الاجتماعي للمرأة في مالي من قبل تفاعل معقد بين مجموعة متنوعة من العادات والتقاليد في المجتمعات العرقية، وخاصة مع صعود وسقوط إمارات قبل الاستعمار، وأثناء الاستعماري، وبعد الحصول على الاستقلال، والانتقال إلى مرحلة التحضر، كل هذه الاحداث أثرت بشكل أو بأخر على دور المرأة ووضعها في مالي، فنجد أن تعداد النساء في مالي أقل بقليل من نصف السكان، كما نجد أن نسب الأم في في بعض المجتمعات يؤثر بشكل كبير في تحديد المَلِكْ الجديد لمالي.
ورغم أن نسبتهن ضئيلة بالنسبة للرجال في مالي، الا انه كان دائماً لهن دورا حاسما في الهيكل الاقتصادي والاجتماعي لهذا المجتمع الريفي الزراعي، ونجد أن المرأة والرجل متساويان أمام القانون في مالي، ولكن لا يزال دور المرأة يتأثر بالعادات الاجتماعية والسمات الاقتصادية التي قد تحد من تصرفاتهم.
أما في منطقة الساحل الأفريقي (سيراليون، ساحل العاج، غينيا، ليبيريا )، تنتشر جمعية الساندي والتي تحاول أن تحمي المرأة وتؤكد على دورها في بناء المجتمع، فهي تسهم في تعليم البنات بعض المهارات كما إنها تركز علي العمل في مجالات التمييز الطبقي بإعطاء النساء الكبيرات في السن السلطة، وفي مجالات العمل والخدمات بشكل عام وفي مجال البعثات التبشيرية حيث تعيش البنات في مدارس منفصلة لعدة أيام، وتستفيد القيادات النسوية ماديا أيضا من الرسوم التي تدفعها الأسر لالتحاق بناتهم بالمدارس.
وإذا نظرنا لدور المرأة في ساحل العاج فنجد أن النساء هناك يشكلن أقل من نصف سكان البلاد في عام 2003 وقد تغيرت الأدوار الاجتماعية والفرص المتاحة للجنسين منذ عهد الاستعمار الفرنسي. فمنذ وصول ساحل العاج إلى الاستقلال في عام 1961 وحتى عام 1990 كانت المرأة أدنى وضعًا من الرجال في ظل القانون. ولكن جلبت التغييرات القانونية عقب وفاة الرئيس فيليكس هوفويت-بواني تحسّن في الفرص القانونية والتعليمية للنساء على كافة الأصعدة، كما تمكنت بهذه التغييرات المرأة في ساحل العاج من تَقَلُّدِ أعلى المناصب الحكومية وفي عالم الأعمال.
بالرغم من تمسك المجتمع بالتقاليد والعادات إلا أنها تختلف اختلافاً كبيراً من منطقةٍ إلى أخرى وتتبع عادةً السياق الاجتماعي. ويعيش داخل ساحل العاج أكثر من 60 مجموعة عرقية، تعطي كل من هذه المجموعات دوراً تقليدياً مختلفاً خاصاً للنساء، كما تؤثر الأديان المتواجدة في البلاد على وضع المرأة بشكل عامٍ.
وكما يحدث في النيجر من أن النساء اللاتي يعشن هناك هن مسلمات بنسبة 98%، فمعظم التشريعات التي تحمي المرأة في هذا البلد منبعها الإسلام، كذلك في نيجيريا يختلف دور المرأة بحسب متغيرات الدين والموقع الجغرافي، وبشكل عام فإننا نستطيع تقسيم دور المرأة في المجتمع النيجيري إلى النساء في شمال نيجيريا والنساء في جنوبها.
فنجد أن جمعية الاعتصام، تهتم بالتضامن الفطري بين النساء وممارستهن لسلطتهن في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، كما أنها تعبر عن أحد أشكال التضامن بشكل طريف، فالرجل الذي يعتدي علي امرأة ولا يأخذ بعين الاعتبار النقد الذي يوجه إليه أو الشكوي منه، يتم اتخاذ شكل من أشكال الحرب الاجتماعية عليه، فتعتصم النساء ويعلن الحرب على الرجل المخطئ، ويغطين رؤوسهن بغطاء معين ويمسحن وجوههن بالرماد، ويلبسن لباسا قصيرا.. ويقمن بغيرها من مظاهر وممارسات.. وما لم يدفع الرجل تعويضا، حتي ترفع النساء اعتصامهن.
أما في موريتانيا فنجد أن الدين والشريعة الإسلامية يتحكم بشكل كبير في مسار حياة المرأة الموريتانية, وقد يقتصر تعليم بعض الفتيات على حضور بعض المدارس القرآنية، لتعلم بعض آيات من القرآن وتحقيق الحد الأدنى من مهارات القراءة والكتابة، وتتولى الأم تعليم ابنتها بعض الشؤون العائلية والمنزلية ورعاية الأطفال. أما الأب فيكون اهتمامه الأكبر هو تجهيز بناته للزواج، حيث تتعرض الفتيات المراهقات غير المتزوجات إلى النقد الاجتماعي الشديد.
كما نجد أن عوامل متعددة أثرت على دور المرأة في المجتمع الموريتاني في أواخر الثمانينات إثر تطبيق الشريعة الإسلامية في مناطق غرب إفريقيا والتي منحت المرأة بعض الحرية في مناحي المجتمع والاقتصاد؛ كما أثر التطور الاقتصادي المتسارع في موريتانيا في التأثيرات التي باتت تتضاءل للمجتمع البدوي والتي أعيد النظر بها.
وفي السنغال نجد أن التقسيم التقليدي للعمل هناك جعل المرأة السنغالية هي المسؤولة عن المهام المنزلية مثل الطهي والتنظيف، ورعاية الأطفال. كما أنها مسؤولة عن نسبة كبيرة من العمل الزراعي، بما في ذلك إزالة الأعشاب الضارة والحصاد، وزراعة وحصد المحاصيل المعتادة مثل الأرز، أما الرجل وخاصة مع التغيرات الاقتصادية، والتمدن الذي تشهده معظم الدول الأفريقية، بدأ يذهب ليبحث عن العمل خارج نطاق حدوده فلجأوا للهجرة إلى المدن، وهذا ما زاد من العبء على كاهل المرأة السنغالية خاصة الريفية في إدارة موارد وغابات القرية ومطاحن الدخن والأرز فيها.
وهذا الدور جعل لها مكانة متميزة في بناء المجتمع هناك، حيث قامت وكالة التنمية الريفية الحكومية السنغالية بتنظيم نساء القرية وإشراكهن في نشاط أكبر في العملية التنموية، كما تلعب المرأة السنغالية دوراً بارزاً في لجان الرعاية الصحية في القرى وبرامج ما قبل الولادة وما بعدها. أما في المناطق الحضرية. فقد لوحظ تغيير في الثقافة التي كانت تنظر للمرأة كإنسان درجة ثانية، كما نجد أيضا أن المرأة السنغالية مؤثرة بشكل كبير في المجتمعات التقليدية، حيث استخدِمت النساء من طبقة النبلاء كمؤثراتٍ في الكواليس السياسية. كما أن نسب الأم يمثل الوسيلة الوحيدة لأن يصبح شخص ما أميرٍا أو ملكاً.
وفي بنين بدأ دور المرأة يتطور ووضعها يتحسن بشكل ملحوظ منذ استعادة الديمقراطية والتصديق على الدستور، وإصدار قانون الأحوال الشخصية والأسرة في عام 2004، ولكن العادات والتقاليد التي تحط من قدر المرأة وتضعها في مكان غير متكافئ مع الرجل لاتزال تهيمن على تصرفات الأشخاص بشكل عام، كما يستمر وقوع حالات من تعدد الزوجات والزواج القسري رغم وجود قانون بتجريم هذه الأفعال ، إلا أن الفساد يعرقل عمل الشرطة، والخوف من وصمة العار الاجتماعية يجعل من القصاص الحقيقي أمرًأ مستحيلًا، ويحدث ذلك أيضًا في جرائم العنف المنزلي، فرغم تجريمها قانونيًا بعقوبة تصل إلى 3 سنوات إلا أن تردد النساء في الإبلاغ عن هذه الحالات يجعلها متكررة الحدوث وعلى نطاق واسع.