[gtranslate]

باتريس لومومبا أيقونة الحرية في الكونغو الديموقراطية

مقالة

باتريس لومومبا: مناضل من قلب القارة السمراء

من قلب القارة السمراء في دولة الكونغو تحديداً، ولد باتريس لومومبا في يوم صيفي من عام 1925 في قرية كاتاتا المحتلة من قبل بلجيكا في ذلك الوقت. كان أبواه ينتميان إلى قبيلة تعد من القبائل النادرة التي حظيت بفرصة لتعليم أبنائها تحت الاستعمار البلجيكي، حيث تلقى باتريس تعليمه الأول في المدارس التبشيرية، ليتمكن من العمل كموظف في البريد وهو في التاسعة عشرة ربيعاً، ليحتك منذ نعومة أظفاره بأرباب العمل العنصريين وليشهد مواقف الفصل العنصري الدنيء ضد السود.

ولكن هذا لم يثنه عن إكمال دراسته ليدرس القانون والاقتصاد في الوقت ذاته، وهذا ما أهله للاتصال بأفراد القبائل المختلفة الأخرى. بدأ حياته السياسية الحافلة عام 1958 من خلال مؤتمر “أكر” الذي أهله لتأسيس حزب سياسي إثر سماح سلطات الاحتلال بالنشاط السياسي في الكونغو، حيث أسس حزب الحركة الوطنية الكونغولية الذي اتخذ من حلم التحرير والوحدة الوطنية هدفاً أسمى منذ بداية تأسيسه، وعد من أقوى الحركات الوطنية السياسية الواعدة في الكونغو، ومكنه الانتماء للحزب من تبوء منصب مرموق في رئاسة تحرير جريدة الاستقلال.

هذا كله سهل وصوله إلى الجماهير لينقل إليهم حلمه في التحرير من جرائم بلجيكا ضد بلده الجريح، من خلال الخطب النارية والمقالات الحماسية الواعية في عدد من الصحف المحلية والعالمية دون أن ينسى أن يدعم مقالاته بالأدلة والبراهين على الإجرام البلجيكي ضد أبناء جلدته من خلال التقارير والإحصائيات الصادرة عن الحكومة البلجيكية نفسها في تلك الجرائم التي لم تقتصر على ظلم الشعب الكونغولي، بل امتدت إلى نهب خيرات بلده وتجويع الناس وإفقارهم.

لمع نجم لومومبا بين الجماهير، وقوى التحرر في العالم، وبرز كقائد منظم للعديد من المظاهرات والمسيرات ضد الاستعمار، الأمر الذي تسبب في سجنه 6 أشهر قبل أن يخرج أثر معاهدات أدت إلى استفتاء الشعب الكونغولي لمعرفة رأيه بالاستقلال، وقد قاد هذا الاستفتاء الكونغو إلى استقلالها وتم إجراء أول انتخابات رئاسية ديمقراطية عدت الأولى من نوعها بعد ثمانين عاماً من الاستعمار.

ولم يمنع اشتراك أكثر من مئة حزب في هذه الانتخابات الحركة الوطنية بقيادة لومومبا من النجاح في انتزاع نصر مؤزر في الانتخابات، بنسبة وصلت إلى 90% من الأصوات رغم محاولة بلجيكا استخدام حليفها “جوزيف إليو” الذي كان يشغل منصب رئيس الدولة الذي كان يعد منصباً شرفياً في حين أن رئيس الوزراء هو المتنفذ الحقيقي في شؤون الدولة.

كان لومومبا حريصاً على ضم كافة أطياف القوى الوطنية، وحريصاً على نزع النفوذ البلجيكي من كافة مرافق الدولة الحيوية. ولكن للأسف لم يدم السلام الكونغولي طويلاً، إذ ظلت بلجيكا تعتبر الكونغو مستعمرتها ومنجمها الذي يدر ذهباً، وقام الملك البلجيكي بتوجيه كلام مهين للشعب الكونغولي في عيد استقلالها الأول، مما حدا بالرئيس لومومبا إلى الرد عليه علناً في خطاب ناري قال فيه: “أيها المناضلون من أجل الاستقلال، وأنتم اليوم منتصرون، أتدركون السخرية والعبودية التي فرضها المستعمر؟ أتذكرون إهانتنا وصفعنا طويلاً لمجرد أننا زنوج في نظره؟ لقد استغلوا أرضنا ونهبوا ثرواتنا، وكان ذلك بحجج قانونية وقانون وضعه الرجل الأبيض منحازاً انحيازاً كاملاً ضد الرجل الأسود.”

هذا الخطاب الذي سمي بخطاب “الدموع والدم والنار” أشعل النار في قلب ملك بلجيكا وجعله يكشر عن أنيابه مرة أخرى، لترزح الكونغو تحت الأزمات والحروب الأهلية بين القبائل المنشقة استمرت حتى يومنا هذا. أما عن لومومبا فقد عزل عن منصبه من قبل الرئيس العميل، وأدرك أنه معرض للاغتيال في أي لحظة. ورغم لجوئه إلى حليف سابق له إلا أنه تعرض للخيانة والاعتقال وتم تسليمه إلى عدوه تشومبي أحد زعماء القبائل المنشقة عن دولة الكونغو وتم اغتيال لومومبا في معتقله بمساعدة قوات أمريكية حليفة للاستعمار البلجيكي، حيث تم إعدامه رمياً بالرصاص دون أي محاكمة، فقد كان اغتيالاً عسكرياً نفذ بواسطة مجندين في الجيش الكونغولي.

قتله المستعمر بعد عام واحد من توليه زمام أمور بلاده لمعرفتهم بمقدار الخطر الذي شكله على مصالحهم وأطماعهم في الكونغو، وقاموا بإذابة جسده تماماً بعد تقطيعه إلى قطع صغيرة، وكأنه أرعبهم إلى درجة خوفهم من عودته بعد موته ليحرر الكونغو من براثنهم إلى الأبد في هذه المرة.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *