تداعيات إقالة إدريس يوسف بوي مدير مكتب الرئيس التشادي
مرسوم رقم 0755/PR/20 صادر في 27 سبتمبر 2024، بموجبه تم تعيين الدكتور إدريس صالح بشر وزيراً مديراً للمكتب المدني لرئيس الجمهورية ليحل محل السيد إدريس يوسف بوي، الذي تتحدث بعض المصادر عن أنه تم استدعاؤه لشغل وظيفة أخرى.
قراءة في الخبر:
قد ينصرف الذهن إلى تقدير أن إقالة ادريس يوسف بوي قد تكون في سياق جهود ومحاولات محمد ديبي في ضرورة التفاعل مع المعطيات والمتغيرات السريعة في الجارة الشرقية دولة السودان وتأثير مجريات الأمور فيها على الأوضاع في البلدين والمنطقة عموماً.
لذلك وجد نفسه مضطراً إلى اتخاذ تدابير تضمن عدم السيطرة على ما يشاع عن تعاون بعض الأطراف التشادية مع قوات الدعم السريع، الأمر الذي بدأ يبرز كخلاف كبير مع الخرطوم الذي ترى فيه أنه أمر مصيري لمستقبل السودان ومستقبل العلاقات بين البلدين، ومع تزايد ما ترشح عن وجود ضغوط أمريكية تمارس على الأطراف الإقليمية المتهمة بالمشاركة والمساهمة في التأثير على مجريات الحرب المندلعة في السودان ومنها تشاد والإمارات والمشير حفتر من أجل إنهاء الحرب.
وتأتي الخلفية التاريخية للعلاقة بين محمد ديبي وإدريس بوي معبرة عن حالة عدم الاستقرار في العلاقة بينهما رغم علاقتهم الحميمية مع بعض والتي تكونت من فترات الطفولة، حيث يذكر المقربون من دوائر صنع القرار في تشاد أن إدريس بوي دخل مرحلة التهميش منذ مطلع هذا العام بشكل متعمد ، وذلك على خلفية ما نسب إليه باتهامه بجريمة اختلاس اموال الدولة، وتم حينها إيداعه السجن ثم خرج بأمر من محمد ديبي، حيث ذكر محمد ديبي في كتابه الذي أسماه ” من البادية الى الرئاسة ” ، أن ادريس يوسف بوي اختلس أموالا من الدولة بقيمة “13 مليار فرنك افريقي ” ، لكن بعد أن اعترف وأعاد الأموال، وتم بعدها إخلاء سبيله وتسامح مع الرئيس وعاد لعمله، ويلاحظ أن مما تم تسجيله ضد إدريس بوي هو فشله مؤخراً في توطيد العلاقات مع الإمارات والحصول على دعم مالي بعد الزيارة التي كانت قبل أيام من صدور القرار وقام بها إدريس يوسف بوي مع الأخ غير الشقيق للرئيس دواسا ادريس ديبي ” السكرتير الخاص للرئيس” ، وما ورد في السابق عن رفض الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد استقبال محمد ديبي لمرتين في العام الحالي والماضي بالرغم من مكوثه في الإمارات عدة ايام ، رغم أن الإمارات قدمت دعما لتشاد بحوالي 500 مليون دولار من مجموع مليار ونصف دولار وعدت بها الإمارات تشاد، كما قدمت الإمارات مدرعات لقوات التدخل السريع التشادية وسيارات ومعدات مدنية ناهيك عن المعونات الإنسانية.
تداعيات الإقالة
من المؤكد أن هناك قائمة بالمستفيدين من إزاحة الجنرال إدريس يوسف بوي صاحب النفوذ الكبير “سابقاً ” من منصبه، تشمل خصومه الشخصيين، ومن تضرر من بعض تدخلات وقرارات أسهم إدريس بوي في الإشراف عليها أو في اقتراحها.
أو كما تذكر بعض المصادر أن كثيراً من الجنرالات الذين تم إقالتهم في الثلاث سنوات الأخيرة سيشعرون بالارتياح الشديد، وقد يكون هذا الأمر منعطفاً مهماً في تحولهم من تبني سياسة المعارضة لسياسات الحكومة، وخصوصاً المتعلقة بالملف السوداني الحساس، وكذلك سيشعر أيضاً الكثيرون من أبناء الزغاوة ” زغاوة السودان ” بالارتياح للقرار بسبب رفضهم لمواقف إدريس يوسف بوي العلنية ضدهم وضد تواجدهم في تشاد.
وتطول القائمة الشامتة فيما حصل مع إدريس يوسف بوي لتشمل بعض الوزراء في الحكومة الحالية الذين لديهم خلافات خاصة معه.
وعن قائمة الخاسرين فلاشك أن أبرز المتضررين من هذا القرار هو نفسه إدريس بوي حيث أن مشروعه للنفوذ قد ضُرب في مقتل ، رغم الجهود المبذولة والإمكانيات والامتيازات التي وصل إليها نتيجة لعلاقته الخاصة بالرئيس ، وفي جانب آخر فإن خسارة قوات الدعم السريع ومناصريها لقناة ارتباط مهمة مع الدولة التشادية تشكل خسارة كبيرة لهم، ومسألة يصعب تعويضها سريعاً ، خصوصاً مع التوقيت الحساس لسير المعارك الدائرة في السودان، وقد يكون موضوع إقالة المسؤول التشادي أمرا مزعجا لدولة الإمارات بحكم تبنيها لموضوع دعم قوات الدعم السريع ، وحرصها على تأمين خطوط إمداد وإسناد لهم ، وإعادة صياغة المسؤول الفاعل ليست بالسهلة، لذلك يمكننا القول إنه وبحسب طبيعة أداء إدريس يوسف بوي كمدير مكتب الرئيس التشادي وما ورد عن وجود ارتباطات له بدولة الإمارات وقوات الدعم السريع فإن الإعفاء يعتبر ضربة موجعة جداً لجهود الإمارات في دعم قوات الدعم السريع وفي توقيت حساس ومهم خصوصاً مع توارد الأخبار بشأن تقدم الجيش في السودان وتراجع لقوات الدعم السريع.
وأخيرا تطرح بعض الأسئلة التي من المهم ملاحظتها، وهي هل مناورات محمد ديبي الأخيرة يستهدف منها ارجاع علاقته بفرنسا بعد فشل كل السبل للحصول على دعم مالي من عدة جهات للخروج من الازمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد؟
وهل لزيارة منظمة رجال الاعمال الفرنسيين في أفريقيا إلى أنجمينا قبل أيام واجتماعهم مع وزير المالية طاهر انقلي وقطعهم وعودا بالاستثمار في مائة مشروع في تشاد خاصة في مجال الطاقة والمياه والبنية التحتية دور في إقالة إدريس بوي؟
الخلاصة:
- دخول قرار إقالة إدريس يوسف بوي حيز التنفيذ قد يكون فرصة للرئيس محمد ديبي لإعادة ترميم وصياغة علاقته الخارجية بالشكل الذي يناسب المرحلة ويناسب تطلعاته في ترتيب علاقات الدولة الخارجية وفقاً للمتطلب الجيوسياسي الجديد الذي فرض نفسه على المنطقة، فيعلم محمد ديبي إنه لن يستطيع التحليق بعيداً عن التحالف الكونفدرالي الجديد لدول مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ومن جهة أخرى يظل هاجس الأزمة المالية التي تمر بها الدولة يفرض عليه توسيع وتنويع دائرة علاقاته وتحالفاته، على قاعدة لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة .
- ثم أن هناك أمرا آخر مهما وهو أن القرار قد يعمل على الاستجابة لمتطلبات تنظيم البيت الزغاوي الذي ينادي به الكثيرون من أبناء القبيلة في تشاد والمنتشرون في دول المنطقة مثل السودان ونيجيريا، حيث أن الكثيرين منهم يرون أن إدريس بوي قد لعب دورا ً كبيراً في تأزم الوضع بين زغاوة تشاد والسودان، وأن الوقت حان لنزع مسببات هذه الأزمة التي حدثت بين أبناء القبيلة الواحدة، وأن نفوذ قبيلة الزغاوة العابرة للحدود يجب أن يكون هدفاً لكل فرد من أفراد القبيلة.
- وعلى المستوى الداخلي يرى المراقبون أن القرار سيضع مصير قوات التدخل السريع على المحك، وهي التي ساهم إدريس يوسف بوي في تأسيسها لتكون قوة موازية للحرس الجمهوري التي يقودها الجنرال طاهر اردا ” من الزغاوة ” والذي تم تهميشه منذ أعوام بسبب مواقفه المعارضة للتدخل في حرب السودان وموقفه من اغتيال “يحيى ديلو “، ويعتقد أن نسبة 80٪ من قوات التدخل السريع من أصول إثنية القرعان وهم أخوال للرئيس الحالي محمد ديبي.
- وقد يفتح هذا القرار أبواباً لا تخدم نظام محمد ديبي لا من جهة التوقيت ولا من جهة مناسبة القرار لانتظام تماسك السلطة الحاكمة ، فلا زال تأثير مقتل ” يحي ديلو” ، وحالة الاحتقان التي خلفها مقتله ، والجهود التي بذلها الرئيس محمد ديبي في احتواء تداعياته ومنع الصدام داخل البيت الزغاوي، كما أن تزايد الإشارات السلبية التي يتمنى قادة المعارضة التشادية أن لا تتوقف قد تجعل المعارضة تعيد ترتيب نفسها بالقدر الذي يناسب حالة الخواء والفراغات في السلطة الحاكمة ، وقد تجعلهم يجدون قنوات تواصل مع المعارضين لمحمد ديبي من قبيلة الزغاوة وذلك لإيجاد تصور ورؤية جديدة لمستقبل البلاد السياسية، وتجربة 2008 لازالت حاضرة في ذاكرتهم، حيث اجتمعت مجموعات المعارضة من قبائل القرعان والزغاوة العرب والتاما وغيرهم تحت حركة ” UFDD” بقيادة الجنرال محمد نوري وقاموا بمحاولة انقلاب فاشلة للإطاحة بنظام الراحل ادريس ديبي في ٢ من فبراير 2008.
- ومن زاوية نظر مختلفة يمكن أن نرى أن الخطوات التي يسير عليها الرئيس الابن محمد ديبي هي نفسها التي سار عليها والده وأن التاريخ يعيد نفسه حيث أن ما حصل سابقاً من طرف الرئيس ادريس ديبي حين تخلص من رفاق السلاح مثل العقيد عباس كوتي ” قائد الأركان وصهر ديبي ” والجنرال مالدوم بدا عباس” وزير الداخلية “، يكرره اليوم محمد ديبي الابن من خلال تخلصه من معظم قيادة المجلس العسكري الانتقالي الذي دعمه حتى انتخب رئيساً لتشاد وآخر ضحاياه رفيق دربه وصديق طفولته الجنرال ادريس يوسف بوي.