جريمة الاغتصاب تزيد الحالة السودانية بشاعة
بقلم د. عطية عدلان
ما أكثرَها وأخطرَها! ما أشنعَها وأبشعَها! ما أفظعَها وأَوْضَعَها! ما أكثرها إذْ تتوغّل وتتغوّل في الديار السودانية فلا يكاد يسلم منها صُقْعٌ من أصقاعها على امتداد خُطّتها واتساع رقعتها! وما أخطرها إذ تتعمق وتستغرق فلا تكاد تنجو من فتنتها عائلة أو قبيلة! وما أبشعها وأشنعها وأفظعها إذْ تهتِك بلا رحمة وتفتِك بلا هوادة وتَنْدَسُّ بقسوة وسط غلالة من الصراخ والصياح! وما أَوْضَعَها إذْ يتخذها هؤلاء الضائعون سبيلًا لإخضاع الخصوم وإرغام أنوف الأنداد وتحقيق انتصارات كاذبة في معارك يُدَّعَى أنّها للتحرير والتثوير! فمتى -بحقّ الله- تنتهي هذه المأساة؟ لقد كادت قلوب الأحرار من هول ما يجري تتفطر.
أهوال لا تطيقها الجبال
وقد توسّعت وتبشّعت مليشيات الدعم السريع في جريمة الاغتصاب إلى حد أن هذه الممارسة اللاإنسانية صارت تأتي في سياق ما يسمى العبودية الجنسية، وإلى درجة أنه لم تفلت من هولها طفلة دون السابعة ولا عجوز فوق السبعين، ولقد تناقلت مواقع إخبارية كثيرة خبر الانتحار الجماعي للفتيات فرارا إمّا من العار الذي لحق بهن وإمّا من شبح العار الذي يطاردهن، إنها ليست جريمةَ حرب وحسب، وإنما هي جريمةٌ ضد الإنسانية؛ جريمة لا نظير لها في الجرائم التي دنست هذا الكوكب، في ظلّ عهد من عهود البشرية يُدَّعَى أنّه عهد المدنية والحضارة، ولا تقف جرائم الحرب هناك عند هذه الحدود، وإنما تتوسع وتتوغل فتعبر الحدود والسدود لتقترن مع جرائم أخرى صارت تُرْتَكب في عصرنا هذا بأريحية عجيبة، فلقد تسببت حرب السودان في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم؛ من قتلٍ للآلاف وتشريدٍ لأكثر من 11 مليون شخص، وانتشارٍ للجوع على نطاق واسع، إضافة إلى التدخل السافر السافل من قوى أجنبية، لا ترعى للسودان أو السودانيين أدنى حُرمة؛ فما خافَ اللهَ فيهم جارٌ إفريقيّ ولا أخٌ عربيّ ولا صديقٌ غربيّ أو شرقيّ.
ترويع تجاوز حدود الخيال
في تقرير لبعثة الأمم المتحدة وردت قصص هائلة ومرعبة، فقد نقل التقرير عن إحدى الضحايا، وهي فتاة من مدينة الجنينة التابعة لولاية غرب دارفور، قالت: إنَّ مُغْتَصِبَها صاح فيها بعنف وطيش -تحت تهديد السلاح بالطبع- قائلًا: “سنجعلكن يا فتيات المساليت تحملن من العرب وتنجبن لهنّ أطفالا”، وجاء في التقرير ذاته أنَّ مليشيات الدعم السريع احتجزت امرأة من غرب دارفور لأكثر من ثمانية أشهر إلى أن حملتْ من مُخْتطِفِها، بعدما قام -بالطبع- بعمليات اغتصاب متكرر ببشاعة لا نظير لها، وتحدث أيضًا عن أربعة حوادث أخرى، خُطِفَتْ فيها النساءُ من الشوارع، ثم تعرضن للضرب والاغتصاب، ثم تُرِكْن في عرض الشارع فاقدات للوعي غارقات في دمائهن ودموعهن.
ولم ينج من هذا الهوس البهيميّ حتى الهاربات اللائذات بالفرار؛ فلقد تَعَرَّض الكثير من النساء وهنّ في طريق الهجرة من وديان النماء والخصب إلى صحاري القفر والجدب فرارا من أهوال الحرب، تَعَرَّضْن وهنّ مُرَوَّعات مُفَزَّعات مغادِرات أحضان الوطن إلى أرض تشاد الموحشة العابسة، تَعَرَّضْنَ لأسواء أنواع الاعتداء الجنسيّ، فيا لهف نفوسنا على أخوات وبنات وأمهات قضين سحابة أعمارهنّ مغموسات في العفّة والكرامة يطاردهن اليوم في الجبال رجال كحمير تشهق وتنهق شبقًا، تحكي إحداهن أنّها مرت وهي مذعورة على امرأة في الثامنة والعشرين من عمرها تحتضر، قد أُلْقِيَ بها على جانب الطريق، وقد اختلط في ثيابها دمٌ مسفوح من آثار الرصاص الذي أُطلق عليها مع دمٍ آخر يحمل فوق ثبجه آثار عفاف ضاع، وهل بالإمكان استعادة ما ضاع من العفاف والشرف؟!
صرامة الشريعة تجاه الجريمة الشنيعة
وحيال هذا النوع من الجرائم تقف الشريعة موقفا حاسمًا صارمًا؛ حيث بشّعت هذا الجرم وأشباهه من الجرائم، وشرعت له من العقوبة ما يكافئ بشاعته؛ قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ} هذه العقوبة هي التي تسمى في الشريعة “حدّ الحرابة”، ولها تفاصيل تطلب من مظانّها في كتب الفروع الفقهية، وإذا كان العلماء قد اجتهدوا في تأويل وتنزيل الآية فقال كثير منهم بالتوزيع والتنويع حسب ضخامة الجرم المرتكب، فإنّ الاجتهاد يتسع حيال جريمة الاغتصاب التي تُرتكب على هذا الوجه ليُمَكِّن من إيقاع عقوبة تجمع بين قطع الأيدي والأرجل من خلاف ثم القتل والصلب.
أين النجدة يا عرب؟!
إذا أراد العربيّ أن يتحدث عن أخلاقٍ تجذرت في تاريخ أمته فلن يجد أفضل من خُلُق النَّجْدة، ذلك الخلق الذي امتزج في فطرتهم مع خلق الكرم، فما كان الشعراء يفخرون إذا افتخروا بأفضل من النجدة والكرم، فأين النجدة أيها المسلمون وأيها العرب، إنّكم على اختلاف مراتبكم ومواقعكم تفقدون نسبكم وتنقطعون عن ماضيكم بتجاهلكم لهذه الفظائع التي تُرتكب على مرأى ومسمع منكم، إن لم تتحركوا وتحركوا المسؤولين لنجدة المسلمات العفيفات المحصنات الغافلات من هول ما يتعرضن له من اغتصاب متوحش فما قيمة الحياة؟ وما الذي يمكن أن نقوله غدًا ونحن أمام الميزان وبين يدي الديَّان؟
أمّا هؤلاء المجرمون فهم ممن قال الله فيهم: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ. مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رؤوسهم لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ}، هذا لكم في الآخرة، ولكم في الدنيا هزيمة في نهاية المشوار، سوف تلحقكم ويلحقكم معها العار والشنار، ولن ينجيكم من أيدينا يومها مال أو سلاح تجتلبونه من دويلة متصهينة تشيع الرذيلة وتبذر بذور الفتنة في كل مكان من أرض الله، فانتظروا إنّا منتظرون.