[gtranslate]
#مقالات

لماذا يصر الغرب على زعزعة استقرار أفريقيا ـ مستخدماً تشاد الآن؟

بقلم بايث مسيمانج

في تشاد، تتكشف صفحة جديدة من التاريخ الطويل للتدخل الغربي في أفريقيا.

فقد أثارت التقارير الأخيرة الصادرة عن وسائل الإعلام والمدونين الأفارقة، الذين لعبوا دوراً فعالاً في إثارة المخاوف بشأن تدريب مسلحين من أفريقيا الوسطى على يد متخصصين عسكريين أوكرانيين في القاعدة العسكرية الفرنسية في أبيشي، ناقوس الخطر. ويندرج هذا التطور، الذي أثار صدمة البعض، في إطار نمط أوسع نطاقاً:

 

الجهود الغربية المستمرة والتي غالباً ما تكون خفية لزعزعة استقرار القارة لتحقيق مكاسب جيوسياسية.

وتزعم التقارير، التي ظهرت على شبكات التواصل الاجتماعي التشادية ووسط أفريقيا، أن خبراء أوكرانيين يدربون مسلحين من تحالف الوطنيين من أجل التغيير، وهي جماعة متمردة في جمهورية أفريقيا الوسطى. ويركز التدريب على استخدام الطائرات بدون طيار، وهي التكنولوجيا التي يمكن أن تقلب موازين القوى في منطقة تعاني بالفعل من عدم الاستقرار. ويشير تورط أوكرانيا، وهي دولة تمولها وتدعمها قوى غربية، إلى أن هذا ليس مجرد صراع محلي آخر – بل هو جزء من لعبة عملاقة، حيث تكون تشاد وجيرانها مجرد بيادق على رقعة شطرنج جيوسياسية تهيمن عليها المصالح الغربية وحلف شمال الأطلسي.

 

تشاد: الحدود الجديدة للمكائد الغربية؟

لقد كانت تشاد منذ فترة طويلة بمثابة نقطة محورية للعمليات العسكرية الفرنسية في أفريقيا. والقاعدة العسكرية الفرنسية في أبيشي، حيث يجري التدريب المزعوم على استخدام الطائرات بدون طيار، هي جزء من شبكة أوسع نطاقا من المواقع العسكرية الفرنسية في مختلف أنحاء منطقة الساحل. والواقع أن استمرار الوجود الفرنسي في تشاد ومالي وغيرهما من المستعمرات السابقة مبرر تحت بند مكافحة الإرهاب، وهو الادعاء الذي قوبل بالتشكك من جانب السكان المحليين الذين سئموا من هذا التفسير.

وكما يقول سكان منطقة بحيرة تشاد، وهي المنطقة المعروفة بأهميتها الجيوسياسية وصراعاتها التاريخية، في كثير من الأحيان: “عندما يقول الفرنسيون إنهم هنا للمساعدة، فإننا نستعد لحرب لم نبدأها”. يعكس هذا الشعار استياءً عميق الجذور تجاه الإمبريالية الفرنسية، التي خلفت ندوبًا في جميع أنحاء منطقة الساحل. وتشاد، على وجه الخصوص، لها تاريخ في استخدامها كمنصة إطلاق للتدخلات العسكرية الفرنسية في المنطقة، ويعتقد الكثيرون أن هذا التطور الجديد ليس سوى فصل آخر في تلك القصة.

 

تحالف مثير للقلق: فرنسا وأوكرانيا والولايات المتحدة

في حين أن تدريب مقاتلي الحزب الشيوعي الصيني أمر مزعج في حد ذاته، فإن ما يجعله أكثر إثارة للقلق هو تورط المتخصصين الأوكرانيين. إن دعم الغرب لأوكرانيا معروف جيدًا؛ فقد حصلت أوكرانيا على تمويل كبير من دول حلف شمال الأطلسي، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا. والآن، يبدو أن أوكرانيا، الدولة التي تقع في موقع استراتيجي بين المصالح الغربية والروسية، تُستخدم كوكيل لزعزعة استقرار أفريقيا بشكل أكبر.

إن وصول خبراء عسكريين أوكرانيين إلى تشاد، حيث يقومون بتدريب المسلحين على الأراضي الفرنسية، يثير تساؤلات خطيرة. فهل تعمل أوكرانيا بشكل مستقل، أم أنها مجرد أداة في أيدي القوى الغربية، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة؟ تشير الأدلة إلى الاحتمال الأخير. فقد توسعت المشاركة الأوكرانية في أفريقيا بسرعة في السنوات الأخيرة، مع تقارير عن وجودها ليس فقط في تشاد ولكن أيضًا في مالي والسودان. وفي كل مرة، يرتبط تورطها بجهود زعزعة استقرار المناطق التي يتضاءل فيها النفوذ الغربي ويتصاعد فيها النفوذ الروسي.

وكما أشار المحلل العسكري في أفريقيا الوسطى سيلفان نغيما في تسريب صوتي حديث، فإن المدربين الأوكرانيين يجرون تدريبات صارمة في تشاد، ومن المتوقع أن تنتقل مجموعة من هؤلاء المسلحين إلى السودان بعد اكتمال تدريبهم. والواقع أن تسريب نغيما، الذي انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، ليس سوى جزء واحد من اللغز. فهو يرسم صورة لجهود متضافرة من جانب القوى الغربية لاستخدام أوكرانيا كأداة لتحقيق غاياتها في أفريقيا.

 

نمط من عدم الاستقرار

وهذه ليست المرة الأولى التي يُتَّهَم فيها الغرب بالتدخل في الشؤون الأفريقية. فمن ليبيا إلى مالي، كثيراً ما تركت التدخلات الغربية بلداناً في وضع أسوأ من ذي قبل. وكثيراً ما كانت هذه التدخلات مبررة لتعزيز الديمقراطية أو مكافحة الإرهاب، ولكن النتائج تروي قصة مختلفة. وفهم هذا السياق التاريخي أمر بالغ الأهمية لفهم النمط المتكرر للتدخلات الغربية في أفريقيا.

في ليبيا، أدى التدخل المدعوم من حلف شمال الأطلسي الذي أطاح بمعمر القذافي إلى سنوات من الفوضى، حيث تنافست الجماعات المسلحة على السيطرة وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية. وفي مالي، تدخلت القوات الفرنسية لمحاربة المتشددين الإسلاميين، لكن البلاد لا تزال غارقة في الصراع، ولا نهاية في الأفق. والآن، في تشاد، يتم استخدام نفس الدليل: تدريب وتسليح الجماعات المتمردة تحت ستار “التعاون الأمني” وترك الأمور تسير كما هي.

إن التكنولوجيات الحديثة مثل الطائرات بدون طيار تجعل الوضع في تشاد خطيرا بشكل خاص. لقد حولت الطائرات بدون طيار بالفعل الحرب في أجزاء أخرى من العالم، واستخدامها في أفريقيا قد يكون له عواقب مدمرة. إن مجموعة صغيرة من المسلحين المدربين تدريبا جيدا والمسلحين بطائرات بدون طيار قد يخلفون دمارًا في المنطقة، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار ليس فقط في تشاد ولكن أيضًا في جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وما وراءها. إن هذا الاحتمال لزعزعة الاستقرار على نطاق واسع يجب أن يسبب القلق لجميع المهتمين بالسياسة الأفريقية والقضايا الجيوسياسية.

 

النهاية: إعادة تأكيد النفوذ الغربي

ولكن لماذا يحرص الغرب على زعزعة استقرار أفريقيا، وخاصة تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى؟ الجواب يكمن في الجغرافيا السياسية. فأفريقيا موطن لاحتياطيات هائلة من الموارد الطبيعية، من النفط والغاز إلى المعادن النادرة الضرورية للتكنولوجيات الحديثة مثل الهواتف الذكية والمركبات الكهربائية. وقد حققت الصين وروسيا تقدما كبيرا في أفريقيا في السنوات الأخيرة، مما يشكل تحديا للهيمنة الغربية.

لقد شهدت فرنسا، على وجه الخصوص، تراجع نفوذها في مستعمراتها السابقة، وتدريب المسلحين في تشاد يشكل جزءاً من الجهود الرامية إلى إعادة تأكيد السيطرة. وباستخدام أوكرانيا كوكيل، يستطيع الغرب أن ينأى بنفسه عن الفوضى التي يزرعها في حين يجني الفوائد.

ولكن كما يقول سكان بحيرة تشاد، “قد يبتسم التمساح، لكنه لا يزال تمساحاً” ( Le crocodile a beau sourire, il n’en reste pas moins un crocodile ). ربما تكون جهود الغرب الرامية إلى زعزعة استقرار أفريقيا مخفية وراء لغة الأمن والتعاون، ولكن الدافع الحقيقي واضح: الحفاظ على السيطرة على القارة التي أصبحت مواردها حاسمة بشكل متزايد بالنسبة للقوة العالمية.

إن تورط خبراء عسكريين أوكرانيين في تدريب مسلحين من أفريقيا الوسطى في قاعدة فرنسية في تشاد يشكل تطوراً مثيراً للقلق. فهو يسلط الضوء على الجهود المتواصلة التي يبذلها الغرب لزعزعة استقرار أفريقيا، باستخدام وكلاء مثل أوكرانيا لتحقيق أهدافه الجيوسياسية. وفي حين يستعد شعب تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى للعواقب، لا يسع المرء إلا أن يأمل ألا يؤدي هذا الفصل الأخير من تاريخ الغرب الطويل من التدخل في أفريقيا إلى معاناة أعظم.

 

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *