مالي تعزز سيطرتها ضد الشركات الأجنبية في قطاع التعدين
في إطار جهودها لمكافحة الفساد واستعادة السيادة على مواردها الطبيعية، تشهد مالي حالة من التوتر المتزايد بين السلطات الانتقالية والشركات الأجنبية العاملة في قطاع التعدين. فقد اعتقلت السلطات المالية مؤخراً ثلاثة مدراء تنفيذيين من شركة ريسولوت الأسترالية للذهب، المالكة لمنجم سياما للذهب في جنوب غرب البلاد، وذلك بعد إجراء محادثات مع السلطات بشأن أنشطة الشركة.
تم احتجاز هؤلاء المدراء في 8 نوفمبر 2024 في أحد فنادق العاصمة باماكو، مما أثار ضجة في أوساط صناعة التعدين. وأشار مسؤول من الشركة، فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن المحاولات لإقناع المحققين ببراءتهم كانت دون جدوى، حيث يأتي هذا الاعتقال في سياق قضية مزعومة تتعلق بالتزوير وإتلاف الممتلكات العامة. وأكدت شركة ريسولوت في بيان لها أن احتجاز موظفيها جاء بشكل غير متوقع بعد انتهاء اجتماعات مع السلطات، مشيرة إلى أن الأولوية القصوى تظل سلامة ورفاهية موظفيها.
وتمتلك شركة ريسولوت حصة 80% منجم سياما، فيما تملك الحكومة المالية نسبة 20%. كما أن الشركة تُدير موقع ماكو لإنتاج الذهب في السنغال وتعمل في مجالات التنقيب في غينيا وعدد من دول غرب إفريقيا.
تشهد مالي حالياً فرزًا شاملًا لقطاع التعدين، إذ تضع الحكومة الانتقالية مكافحة الفساد في مقدمة أولوياتها. وبحسب وزير المناجم، ألوسيني سانو، فإن مراجعة العقود مع كبرى شركات التعدين مثل B2Gold وAllied Gold وRobex ستسهم في زيادة إيرادات الدولة بمقدار 245 مليار فرنك أفريقي سنويًا.
ترمي الحكومة إلى رفع نسبة حصة الدولة في المشاريع التعدينية من 20% إلى 35%، وهو تغيير جذري يتماشى مع تعهدات السلطات بالعمل على تحقيق العدالة الاقتصادية للسكان المحليين. الرئيس الانتقالي أشار بوضوح إلى أن الشركات يجب أن تلتزم بالمتطلبات الجديدة أو تواجه عقوبات تشمل إمكانية الاستبعاد من السوق.
تعتبر مالي واحدة من أبرز دول العالم في إنتاج الذهب، حيث يسهم الذهب في ربع الميزانية الوطنية وثلاثة أرباع عائدات التصدير. ومن خلال تحسين شروط التعاون مع الشركات الأجنبية، تأمل الحكومة في نقل الفوائد الاقتصادية المباشرة إلى الشعب المالي عبر تعزيز فرص العمل وزيادة الإيرادات.
إضافة إلى ذلك، تأتي هذه السياسات بالتزامن مع جهود الحكومة للتركيز على التنمية والاستقرار، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة الناتجة عن الهجمات الجهادية والأزمة متعددة الأبعاد التي تعاني منها البلاد. وقد أظهرت الأرقام الرسمية أن العديد من الشركات الأجنبية، مثل Barrick Gold، قد واجهت خطوات مماثلة من الاحتجاز والتفتيش، مما يعكس سياسة صارمة تجاه الامتثال للقوانين المحلية.
يتضح أن الحكومة المالية مصممة على تنفيذ إصلاحات جذرية تعزز من سيطرتها على موارد البلاد، وتعيد التوازن في العلاقات مع الشركات متعددة الجنسيات. الرسالة الموجهة للمستثمرين الأجانب تتضح بأنها تتطلب استجابة جادة لأوضاع السوق المحلية والامتثال لمطالب الدولة، مما يعد بمثابة إنذار للجميع بأن “أيام العقود غير المتوازنة قد ولت”.
مع استمرار هذه التطورات، يبقى أن نرى كيف ستستجيب الشركات الأجنبية لهذه التغييرات وما إذا كانت ستعيد تقييم استراتيجياتها في ظل هذه الظروف الجديدة. هذه المشهد الديناميكي في قطاع التعدين المالي قد يغير بشكل جذري الطريقة التي تُدير بها الدول مواردها الطبيعية، ويشكل نموذجاً قد تحتذي به دول أخرى تعاني من قضايا مماثلة في الصناعة.