مالي: جهود متواصلة لمحاربة الإرهاب في ظل استمرار العمليات الإرهابية
بقلم / مرتضى أحمد
▪️ تتوالى هجمات قوات الجيش المالي الحكومية ضد ما أسمته ” الجماعات الإرهابية” في جميع أنحاء الأراضي المالية، تؤكد أنها ستستمر في عمليات التأمين بلا هوادة ، وجاء تصريح رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة في بيان رسمي في يوم الاثنين 14 أكتوبر 2024 في هذا الاتجاه ، حيث أكد فيه عن مقتل القيادي المدعو “العزة ولد يحيى” والمُلقَب بجليبيب الأنصاري” ، مع عدد من رفاقه خلال رد الفعل العنيف للقوات المسلحة المالية على الهجوم الذي أسمته بالإرهابي، والذي تم إحباطه في يوم 6 أكتوبر 2024 في مكان يسمى “بير” بمنطقة تمبكتو.
▪️ ومن جهتها أكدت مجموعة نصرة الإسلام والمسلمين JNIM وفاة “ جليبيب الأنصاري ” واسمه الحركي العزة ولد يحيى، والذي كان أمير شركة القدس التابعة لإمارة الصحراء، والمعروفة أيضًا باسم منطقة تمبكتو، أثناء الهجوم على مدينة بير الواقعة على بعد حوالي 70 كيلومتراً شرق تمبكتو، وأعلنت الجماعة أن خمسة من رفاق “ولد يحيى” قتلوا في الهجوم، فضلا عن ثلاثة انتحاريين كانوا يقودون سيارات مفخخة.
وبحسب ما أعلنته “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين“، فإن الجماعة خسرت ثمانية من مقاتليها، ووفقاً لما أفاد به سكان المنطقة فإن القتال استمر لساعات بين الجيش المالي ومقاتلي التنظيم حول القاعدة العسكرية التي كانت قد بُنيت سابقًا من قِبَل بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام قبل تسليمها للجيش المالي، التي تتعرض بشكل متكرر لهجمات من تنظيم القاعدة ، ويُعد “جليبيب الأنصاري” قائد مجموعة من مقاتلي “سرية القدس“، وهو أحد أفراد قبيلة لبرابيش ذات الأصول العربية، وذات النفوذ الواسع في شمال دولة مالي وبعض دول الجوار تحديدًا موريتانيا، ويُعرف بأهميته المحورية في تنظيم القاعدة بتوليه مسؤوليات قيادية في التخطيط للهجمات الكبرى ، ودأبت الحكومة المالية باستمرار على وصفه ب” الزعيم الإرهابي” ،وهي تتحدث عن أنه مطلوب منذ فترة طويلة، نظراً لارتكابه العديد من الانتهاكات ضد السكان، بما في ذلك الاغتيالات المستهدفة وزرع العبوات الناسفة والهجمات ضد القوات المسلحة المالية.
قراءة في الحدث
بعد أن تكبد الجيش المالي وقوات الفاغنر خسارة كبيرة، أرادت التنظيمات المسلحة في شمال مالي إعادة تأكيد قدرتها على المبادرة والقيام بالمباغتة في مهاجمة القوات المسلحة المالية في ثكناتها العسكرية، واختارت هذه المرة القاعدة العسكرية التابعة للجيش المالي والتي أنشأتها الأمم المتحدة.
وأرادت اختبار ما وصلها من إمكانيات جديدة، وإقناع الداعمين إلى قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات متطورة تتطلب تنسيقًا عاليًا واستخبارات دقيقة، واستكمال المنحنى التصاعدي في تحقيق نجاحات على الأرض ومواجهة وإفشال تقدم القوات المالية، واختارت استهدف الثكنة العسكرية التي تتبع الجيش المالي في القرية التي تسمى “بير” والتي تقع على بُعد 70 كيلومترًا إلى الشرق من مدينة تمبكتو التاريخية،
وأكد شهود عيان من سكان القرية الصغيرة، أن قتالاً عنيفاً استمر لعدة ساعات، في محيط الثكنة العسكرية التي شيّدتها بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في دولة مالي قبل سنوات، وحين انسحبت قبل عام تركتها للجيش المالي، وهي في العادة كثيراً ما تتعرّض لهجمات مسلحة من أطراف متعددة ومن ضمنها القاعدة
ويفهم الكثيرون أن التنظيمات تعي أن الوقت المتبقي لخروج قوات الأمم المتحدة بدأ يتقلص، وأنه بالفعل أصبح لا يتجاوز 3 شهور، فيدفع البعض إلى أن تكرار هذه الحوادث هي محاولات أخيرة تسعى لها القوى التي تقف خلف هذه الهجمات لمحاولة فرض واقع سياسي جديد يجعل فيه الجيش المالي يعيد حساباته، تماماً مثل ما حدث في 2014 م في مدينة كيدال الذي أعقبه توقيع اتفاقية الجزائر، ويعيد فيها مراجعة تحالفاته الأخيرة، ولمحاولة لفت القادة العسكريين إلى تقدير أهمية الدور الفرنسي المتجذر في المنطقة
كما أن البعض يرى أن زمام المبادرة يعكس ترتيب وتنظيم لصفوف المجموعات المسلحة المتباينة وأنه أصبحت هناك مساحات عمل مشتركة ز، وأحيانا تسجيل حالة تغافل عن الأنشطة الفردية التي تقوم بها البعض ، بشرط أن تخدم الغرض والهدف العام وهو أن يكون العمل موجهاً ضد القوات المسلحة المالية ومجموعات الفاغنر التي تقف وراءها ، بحيث يتم إرباك أو إفشال أي ترتيب أو تنسيق بينها ، وهو ما سيضعف الجهود التي تبذلها روسيا الساعية لتحويل مالي إلى ساحة سياسية للتنافس بين القوى الكبرى ، كما أن التنظيمات المسلحة تدرك رغبة الجيش المالي في رد اعتباره عقب الخسارة الكبيرة له ولقوات الفاغنر ، والذي مثل هزيمة قاسية تكبدتها قوات الفاغنر بخسارتها أعداد كبيرة من مقاتليها وبالمقابل يعتبر مقتل القيادي “جليبيب الأنصاري” ضربة موجعة جداً للمجموعات المسلحة ونجاح كبير لمساعي الجيش المالي إلى تفكيك تنظيم القاعدة، من خلال استهداف رموز وقيادات ميدانية فاعلة ،وأن استراتيجية “قطف الرؤوس”؛ ستؤدي حتماً إلى تراجُع الروح المعنوية للمقاتلين، وفقدان القدرة على تنفيذ العمليات المعقدة، وفقدان ثقة المجتمعات المحلية في مختلف تلك الجماعات المسلحة على جميع انتماءاتها ، كما لا تخفى على أحد حقيقة رغبة الجيش المالي في استعادة هيبته ورد اعتباره خصوصاً بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف مدرسة الدرك العسكرية في ” فالادجي ومطار سينو موديبو كيتا الدولي في 17 سبتمبر 2024″ ، كما أنه من المؤكد أن السلطات المالية تراهن على بعثرة أوراق التنظيمات والتشكيلات المسلحة وخصوصاً تنظيم القاعدة، وأن استدراك حالة التعافي بعد هذه الضربة الموجعة لن يكون سهلاً ويسيراً ، وأن حادث مقتل “الأنصاري” ليس مجرد فقدان لقائد ميداني، بل بمثابة ضربة قاصمة للهيكل القيادي للتنظيم؛ لكونه أحد العقول المدبرة وراء التخطيط الاستراتيجي للتنظيم في منطقة الساحل الإفريقي، وبالتالي سيترك غيابه فراغًا قياديًا يصعب ملؤه على المدى القصير، خصوصاً بعد تكرار استهداف شخصيات قيادية مؤثرة ، كاستهداف العقل المدبر لتنظيم داعش “عبد الوهاب ولد شعيب” في 21 يناير 2024، واستهداف قائد داعش البارز “أبو حذيفة” في 29 أبريل 2024، وانتهاءً بهذه الحادثة الأخيرة التي أدت إلى مقتل القيادي “العزة ولد يحيى” في 8 أكتوبر 2024، سيكون للاتفاق ، وهي تطمح إلى أن هذه الخسارات المتكررة من المؤكد أن تسهم في حدوث فوضى داخلية وشلل مؤقت في قدرة التنظيم على اتخاذ قرارات سريعة في تنفيذ عمليات منسقة.، رغم أن التنظيم أتبث سابقاً قدرته على إعادة إنتاج نفسه وترتيب صفوفه ، وسرعته في إبراز قيادات جديدة لكل مرحلة .
ختاماً…
من الطبيعي جداً أن يعتبر الجيش المالي الحدث بمثابة نصر عسكري يعزّز من شرعيته المحلية والإقليمية، وأن يحاول أن يستثمره دولياً للحصول على المزيد من التمويل والتدريب والمعدات العسكرية؛ بداعي تحسين القدرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية بشكل أكثر فعالية، وتنفيذ عمليات نوعية تجبر التنظيمات على التسليم، وفي المقابل لن يكون سهلاً على الجيش المالي تجاوز وتقدير ردود الأفعال والنزعات الانتقامية المتوقعة من التنظيمات المسلحة، خصوصاً مع توفر بيئة تسمح بهامش للمناورة من أجل إضعاف الحضور الروسي في المنطقة.